فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .
وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب.
وإن دماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .
وإن مآثر الجاهلية موضوعة ، غير السدانة والسقاية .
والعمد قَوَدٌ ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ، وفيه مائة بعير ، فمن ازداد فهو من الجاهلية .
أيها الناس : إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك ، فيما تحتقرون من أعمالكم .
أيها الناس : إنما النسئ زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاماً ويحرمونه عاما ، ليواطؤوا عدة ماحرم الله . وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ، وواحد فرد : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب بين جمادى وشعبان . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد .
أيها الناس : إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهن حقاً ، حقكم عليهن أن لايوطئن أحداً فرشكم ، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم ، إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيراً .
أيها الناس : إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد .
أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى .
ألا هل بلغت ؟
قالوا : نعم .
قال : فليبلغ الشاهد الغائب .
أيها الناس : إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، ولا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث ، والولد للفراش وللعاهر الحجر .
من ادعى إلى غير أبيه ، ومن تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، والسلام عليكم ورحمة الله).
وفي الكافي : 1/403 :
( عن الحكم بن مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكة قال : قال سفيان الثوري : إذهب بنا إلى جعفر بن محمد ، قال فذهبت معه إليه ، فوجدناه قد ركب دابته ، فقال له سفيان : يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف .
قال : دعني حتى أذهب في حاجتي فإني قد ركبت ، فإذا جئت حدثتك .
فقال : أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لما حدثتني .
قال : فنزل ، فقال له سفيان : مر لي بدواة وقرطاس حتى أثبته ، فدعا به ثم قال : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف :
نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه .
يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
ثلاثٌ لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم .
المؤمنون إخوةٌ تتكافى دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم .
فكتبه سفيان ثم عرضه عليه ، وركب أبو عبد الله عليه السلام وجئت أنا وسفيان ، فلما كنا في بعض الطريق قال لي : كما أنت ، حتى أنظر في هذا الحديث . قلت له : قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لايذهب من رقبتك أبداً ! فقال : وأي شيء ذلك ؟ فقلت له : ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، قد عرفناه . والنصيحة لأئمة المسلمين ، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان ، ويزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وكل من لاتجوز الصلاة خلفهم ؟ وقوله : واللزوم لجماعتهم ، فأي الجماعة ؟ مرجيء يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل ؟! أو قدري يقول : لايكون ما شاء الله عز وجل ، ويكون ما شاء إبليس ؟! أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب، ويشهد عليه بالكفر ؟! أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده ، ليس الإيمان شيء غيرها ؟!
قال : ويحك ، وأي شيء يقولون ؟!
فقلت : يقولون : إن علي بن أبي طالب والله ، الإمام الذي وجب علينا نصيحته . ولزوم جماعتهم : أهل بيته .
قال : فأخذ الكتاب فخرقه ، ثم قال : لاتخبر بها أحداً !) . انتهى .
وفي تفسير علي بن إبراهيم : 1/171 :
( وحج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة ، فكان من قوله بمنى أن حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أيها الناس : إسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإني لاأدري لاألقاكم بعد عامي هذا. ثم قال : هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة ؟
قال الناس : هذا اليوم .
قال : فأي شهر ؟
قال الناس : هذا .
قال : وأي بلد أعظم حرمة ؟
قالوا : بلدنا هذا .
قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، إلى يوم تلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم . ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا : نعم .
قال : اللهم اشهد .
ثم قال : ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية ، أو دم أو مال ، فهو تحت قدمي هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى .
ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم .
قال : اللهم اشهد .
ثم قال : ألا وكل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب . ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول موضوع دم ربيعة .
ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم .
قال : اللهم اشهد .
ثم قال : ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد !
ألا أيها الناس : إن المسلم أخو المسلم حقاً ، لايحل لامرىء مسلم دم امرىء مسلم وماله إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه . وإنى أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله .
ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا : نعم .
قال : اللهم اشهد .
ثم قال : أيها الناس : إحفظوا قولي تنتفعوا به بعدي ، وافهموه تنعشوا . ألا لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا ، فإن فعلتم ذلك - ولتفعلن - لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ، ثم قال : إن شاء الله ، أو علي بن أبي طالب .
ثم قال : ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ، ومن خالفهما فقد هلك .
ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم .
قال : اللهم اشهد .
ثم قال : ألا وإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني ، فأقول : رب أصحابي ؟ فيقول : يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك ، أقول : سحقاً سحقاً .
فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله : إذا جاء نصر الله والفتح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : نعيت إلى نفسي ، ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف ، فاجتمع الناس فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال :
نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها ، وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسلمين ، ولزم جماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم . المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم .
أيها الناس : إني تارك فيكم الثقلين . قالوا : يا رسول الله وما الثقلان ؟
قال : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى ، فتفضل هذه على هذه .
فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة ، وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً: إن مات محمد أو قتل أن لايردوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً! فأنزل الله على نبيه في ذلك : أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون . أم يحسبون أنا لانسمع سرهم ونجواهم ، بلى ورسلنا لديهم يكتبون ... انتهى .
وفي صحيح البخاري : 5 / 126 :
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .
أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم .
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس ذا الحجة ؟
قلنا : بلى .
قال : فأي بلد هذا ؟
قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس البلدة ؟ قلنا : بلى .
قال : فأي يوم هذا ؟
قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى .
قال : فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم .
ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض .
ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه . انتهى .
قالوا : في يوم حرام وبلد حرام وشهر حرام .
قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت .
فقال بإصبعه السبابة فرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد .
ثم أذن بلال بنداء واحد وإقامة فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر، لم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب حتى وقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخيرات. . .
وفي سنن الدارمي : 2/67 :
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : لما كان ذلك اليوم قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعير ، لاأدري جمل أو ناقة ، وأخذ إنسان بخطامه، أو قال بزمامه .
فقال : أي يوم هذا ؟ قال فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه .
فقال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى .
قال فأي شهر هذا ... إلخ .